عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-07-12, 10:26 AM   #1


الصورة الرمزية عاشقة الدموع
عاشقة الدموع غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 48
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 2024-04-06 (08:39 PM)
 المشاركات : 43,827 [ + ]
 التقييم :  34274
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
كَانكِ لقَيتِ اللَي تظلِى بظلهَ


اَناِ لقيَت ِاللَي وطاكِ وركعليَ
لوني المفضل : Crimson
06 أقسى انواع الهدايا




في إحدى القرى الجاثمة على سفح من سفوح جبال جرجرة العظيمة ،
عرين الأمازيغ بمنطقة القبائل الكبرى بالجزائر،
نشأت أريناس و قد ألهب مشاعرها فقدان والدتها و لفحها بأواره ،
و هي لا تزال غضّة لم تصل بعد إلى سنّ العاشرة ،
كانت والدتها قبل وفاتها قد سكبت بفؤادها أسمى الأخلاق و أجلّها ،
و أنبل الفضائل و أرفعها .
مرّت السّنون على عجل ، فشبّت أريناس دافئة المشاعر ،
مرهفة الحسّ ، زكيّة النّفس ، طيّبة المعشر،
أحبّها ابن عمّها ماسين و افتتن بها منذ أن بلغ مبلغ الرّجال .

كانا قد قضيا صغرهما معا ، يلعبان و يمرحان بين البساتين و المروج ،
و على ضفاف الجداول و الغدران ، و تحت شجر الزّان و السّنديان ،
يجمعان طاقات الورود و حبّات البلّوط ، و يقطفان توت العليق
و ثمار القُطْلَب ( لنج ) ، و قد زاد في ألفتهما ما جمعهما من يتم ،
و اليتامى يشعرون بما يعتلج من آلام و ما يتردد من أوجاع
في أنفس بعضهم بعض ، فيزدادون حنوا على أمثالهم ،
و يبسطون أجنحة الرّأفة على من يشاركهم هذا البؤس
و من يقاسمهم هذه الفجيعة .

اغتنم ماسين ذهاب أريناس لتملأ الدّلاء من البئر القريبة ،
و كشف لها عمّا يجول بداخله ،
فأنشأ يقول و الارتباك باديا على محيّاه ، و في تدحرج كلماته :
إنّك تعلمين يا ابنة العمّ أنّك الفتاة التي لم أعرف غيرها ،
و قد أحببتك منذ الصّغر حبّا بريئا طاهرا ،
لم تدنّسه أشواق الجسد و نوازع النّفس ، كحبّ الورود لإطلالة الصّباح ،
و عشق الفَراش للزّهر الفوّاح ،
و قد تعاظم هذا الحبّ بين جنبيَّ يا قرّة عيني ،
حتّى بتِّ اليوم نبض قلبي الذي يبعث فيَ الحياة ،
و إذا فقدته فليس لي دونه نجاة ،
أنت سحابة الغيث يا أريناس ، و من سواك ؟!
و أنا الزّرع فإن لم تجودي فمصيري بلا ريب إلى هلاك ،
و إنّي اليوم أطلب يدك للزواج ، و الرأي ما رأيت .

نظرت إليه و قد اغرورقت عيناها ، و جادت بدموعها على وجنتيها
و هي تقول : إن لم أكن لك ، فلن أكون لغيرك يا ماسين ،
فأنت الشمس التي أستمد منها الضّياء لنفسي إذا أعتمت
و سدّ الظّلام آفاقها ، و خيّمت غيلان الوحشة ببطاحها ،
كيف تظنّني لك صادّة يا ماسين ،
و قلبي الواهن متعلّق بك في سرّه تعلّق النّاسك بِوِرْدِه ( أذكاره ) ،
و المَقْرُورُ (من أصابه برد ) بزَنْدِه (القدّاحة) ؟!

فرح ماسين عند سماع جوابها و اغتبط ،
و سرعان ما تمّت خطبتهما ، فسرّ جميع الأهل بذلك .
و صلت مايا عمّة ماسين توّا بعد سفر طويل من مدينة البُليدة ،
و آيات الشؤم و القلق بادية على وجهها ،
فاجتمعت بماسين في غرفة المعيشة و قالت له :
إنّك تعلم يا ماسين مدى حبّي لك ، و لقد ربّيتك في حجري وليدا،
و كنت ولازلت أخاف عليك النّسمة الرّقيقة ، ثمّ صمتت فجأة ،
اضطرب ماسين من هيأتها تلك ، و ردّ عليها مستفهما :
ما الخطب يا عمّتي و علام هذا الوجوم ؟!
قالت : إنّ أريناس لا تصلح لك زوجة يا بني .
لعبت في تلك اللحظات الوساوس بماسين ظهرا على بطن ،
و تقاذفته أسوأ الظنون يُمنة و يُسرة .
ماسين : و كأنّي بك يا عمّتي تتهمينها بأمر شنيع وقفتِ عليه
في غفلة منّي !
كانت مايا ثقيلة السّمع بسبب حمّى ألمّت بها في صغرها ،
فلم تسمع ما قاله ، و استمرّت في الحديث :
العلّة في الهديّة يا بني ،
ماسين : الهديّة ! إذن كانت أريناس قد أخذت هديّة من رجل تعرفه
و اكتشفتِ الأمر ، و جئت لتصارحيني بذلك يا عمّتي ،
يا لغدر النّساء و مكرهنّ و سرعة تقلّبهنّ و تلونهنّ !
ضاع الحبّ و انطمست معالمه للأبد ، يا حسرتاه على نفسي الكسيرة !
مايا : بلى يا بني ،
العلّة في الهديّة التي أهدتك إياها تاليس والدة أريناس ،
ماسين : أفقدت عقلك يا عمّتي ، أيّ نوع من الهدايا هذا الذي يمنعني الزّواج
من أريناس ؟! و لا أذكر أنّ الخالة تاليس قد أهدتني هديّة
كما تدّعين ! مايا : و كيف لك يا ولدي أن تذكر ذلك ،
و أنت لاتزال حينها في القماط ،
و قد أهدتك تاليس رحمها الله الحياة في رضعات مشبعات من صدرها
لما مرضت والدتك ، و لولاها لكنت ميتا ،
إنّ أريناس أختك من الرّضاعة ، و الله شهيد على ما أقول ،
صعق ماسين لهول الخبر و بقي في غرفته مدهوشا لأيام
لا يحرّك ساكنا . علم الجميع بالمسألة ، فحالوا بينهما ،
و كان سكان القبائل و لازالوا مستمسكين بتعاليم الإسلام ،
راسخ فيهم رسوخ جرجرة في أرضه ،
لا يتحلحل عنها مهما ضربت جوانبه الرّياح الزّعازع .

ذبل شباب أريناس فجأة و تلاشت نضارته ،
و ضَوِيَ جسدها ( ضعف ) و اصفر لونها ، و أمست شبحا ممدّدا على الفراش،
بعد أن فارقت الطّعام و الشّراب ، وهي تنتحب
و تبكي حبّها المنكوب مردّدة :
ما أسعدك يا بلابل الحبّ الطّليقة فوق الأغصان ،
لا يصدّك عن الحبيب صاد ! و ما أتعسني في أسمال شقوتي ،
مثقلة بالهموم مكبّلة بغير أصفاد( قيود ) ! ما ألطف الربيع !
بين أحضانه يلثم النّحلُ و الفراشُ أجمل الزّهرِ ، و ما أقسى الدّهر !
حيث أرشفني عنوة مرارة القهرِ ،
و ها هي أمالي تسحقها الأقدار السّاخرة نصب عيني ،
ليبقى حبّي لك يا ماسين سرمديّا تسقيه حسرة الفراق
و تنعشه أنفاس الموت التي باتت أسمى المنى و أعذب الرّجاء
ثم جادت بروحها إلى بارئها بعد أيّام قلائل .

سمع ماسين الخبر ، ففقد عقله و هام على وجهه في قمم جرجرة
و منحدراتها و على رباها ، يصعد النّجاد و ينزل الوهاد لا يأبه لأحد
و لا يلوي على شيء ، وقد استأنس الوحش وسكون الخلاء ،
أينما حدّق رأى صورة أريناس و الحزنُ مرتسم على محياها الجميل ،
فيخاطبها بلوعة : يا لها من هديّة قاتلة ،
ليتني متّ قبل أن تصل إلى أحشائي ،
صدقت يا أريناس ، يا نغمة الرّوح الفانية ، كيف للنّاسك النّبيل
أن يعيش إذا حيل بينه و بين ورده ، ؟! و كيف للمقرور في ليالي البرد
و الصّقيع أن يحيا إذا حرم زنده ( القدّاحة) ؟!و بقي على هذه الحال
حتّى وُجد ميتا في الشّعاب المجاورة ،
و هو يعانق خمار أريناس المبلّل بدموعه .


 
 توقيع : عاشقة الدموع


إن قـدر الله مـع الأيـآم نتـوآآجـه
تمـر مثلـك مثـل نآس(ن) يمرونـي
في عيوني تصير مآتسـوى ولآ حآجـه
من عقب مآكنت تسوى الناس في عيوني


رد مع اقتباس