![]() |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
حافة النهار قصة / محمد مستجاب . ارتبكت الشمس قليلاً فازدادت احمراراً، وهبط ثعلب في المجرى فلما استأنس أمناً مد بوزه وسط الساسابان ولعق من المياه، واشرأب رأس ضفدع فتوقف الثعلب عن الرشف وبدأ يتحفز للقنص، ووضع (الحاج) طفله الوحيد أمامه فوق حمارته (المصبوغ ظهرها بالحناء من كثرة الجراح) ساحباً بقرته ووليدها خلفه، وأطل نمس من بين عيدان القصب آملاً أن تهمد الحركة فيعبر الطريق، وتقاربت غمامتان فامتزجتا وتدفق بطنهما بالحُمرة، واقتحمت السماء هوجة زرازير محدثة جلبة فأجفل العجل الصغير لكن البقرة ظلت تسير هادئة خلف حمارة الحاج (الذي كان يزنّ بموال ويقرص في رفق رقبة طفله مداعباً إياه ببعض الشتائم ليظل الولد مبسوطاً) وضرب (الحاج) الحمارة فوق رقبتها كي تتخطى قطعاً في أرض الطريق، ووثبت الحمارة فتشبث (الحاج) ضاماً ابنه في عبه وكاد يسقط فعاد لضرب الحمارة مرة أخرى ولعن أبا الذي باعها له فانزعج النمس وارتد داخل القصب، ومن الناحية الأخرى بص ذئب على (الحاج) وابنه والحمارة والبقرة والعجل ثم فتح عيناً وأغلق عيناً ورقد . سأل (الحاج) طفله: ارتجفت؟ فبكى الولد، أعاد السؤال مرة أخرى : ارتجفت؟ فسكت الولد، أقسم (الحاج) لطفله أنه سيطلع جباناً مثل أخواله وقرصه عدة مرات في أذنه، ضحك الطفل وضحك (الحاج) وجرى العجل الصغير بعيداً عن أمه ثم عاد إليها. ازداد احمرار الشمس فاضطرت أن تنكس رأسها وراء الجبل ساحبة شالها الضوئي من حول رقبة النخيل، وأوقدت عمتي نفيسة الفرن ليتكاثف الدخان ويحط الهباب فوق وش صحاف السمك المرصوصة على الأرض المككل وجهها بالقوطة والزيت والبرغل، شم الكلب الرائحة فتثاءب وتحرك فوق الحائط وقفز في الباحة ودنا من الصحاف متحسساً الأرض بأنفه ثم رقد، وخرجت أرانب يامنة أم محمود من جحورها وانتشرت متوهجة العيون تتنسم الأعواد في التراب، وجست الحاجة شفاء مؤخرات فراخها لتطمئن على البيض ونادت ابنتها وسبتها لتخاذلها في نقل الماء من الزير إلى الأباريق قبل أن يتأتي الليل، واستطاع محمود عبد الجابر أن يشد وثاق جمله أمام الباب بادئاً في تضميخه بالزيت الأسود كي يخفف عنه الجرب. وسحب الشيخ حسني صديقه محمود حسنين من كم جلبابه جاذباً إياه وملحاً في اصطحابه للمسجد كي يؤديا صلاة المغرب، فلما قاومه اتهمه الشيخ حسني بالكفر مستنزلاً فوق رأسه اللعنات وأنبأه محتداً بأنه حتماً سيدخل النار، وتجمع نفر قليل حول حمار وحمارة أتيحت لهما فرصة التواصل، ونصبت أم كامل عند الرجال الطبلية في مدخل الدار ورصت عليها صحن ملوخية وصحن قلقاس وطبقتين من العيش المقمر في تراب الفرن ونادت على محمود – زوجها – للعشاء فأقسم على رفاقه أن يقوموا معه ليشاركوه الزاد، واتجه ثلاثة – أو أربعة – أطفال إلى بائعة الجاز – في آخر الشارع – ممسكين بأيديهم زجاجات وبيضاً أو أكواز ذرة، وأغلقت زوجة أصيل شوال الملح طالبة من أحد العابرين أن ينقله من خارج الدار لداخل الدار رافضة أن تبيع الملح بالأجل متعللة بأن العتمة قادمة، ودار علي حافظ حول بيت عبد المعطي دورتين رانيا للمدخل في تثعلب متحاشياً أن يراه الآخرون فيكدرون عليه رغبته؛ وأغلق الشيخ موسى مصحفه ومسح بكفه على وجه ابن عدوي الراقد تحت الحرام الصوف مستنزلاً له الشفاء من السماء ومتسولاً له البركة من الملائكة. وجذبت أم محمد عقدة حطب من خلف البيت ووضعتها أمام الكانون تمهيداً لتقمير العيش إيذاناً بالعشاء ووقفت صبية على عتبة بيت الشيخ محمود علي شناوي طالبة قطعة خميرة يضيفونها على العجين واستمر قصّاص شعر الحمير منهمكاً في عمله وسط الميدان، ونادى الشيخ إِبراهيم على الشيخ غزلي طالباً منه النزول للذهاب معاً إلى مجلس صلح سيقام بحري البلد ووضع ضبع أبو سامي فص الأفيون أسفل لسانه وهرع إلى المقهى ليحتسي فنجان بن سادة وظل صلاح إبراهيم واقفاً أمام منزله (الذي باعه لمحمد عبد المنعم ويقيم فيه بالإيجار) مرتدياً جلبابه المكوي النظيف مستمتعاً باحترام العابرين له، ووقفت بديعة أم صابر باكية منتحبة بين يدي الشيخ غالب شاكية ابنها الوحيد (ذاك الذي يدخل إلى زوجته من باب آخر بعيداً عن طريق أمه وفي جيبه الحلاوة والطعمية) وتحرك عبد اللاه من عتبة البيت وصعد السلم للرواق فوجد امرأته جالسة على الأرض عارية الساقين تغربل ذرة رفيعة فبدأ يحتك بها وعيناه تبرقان، ووقفت شفيقة على السطح لتنشر الملابس دون اهتمام بإقبال الليل وجلس صالح ياسين وأحمد عبد العزيز على الدكة ينهشان في عرض إحدى الأسر ويرتشفان الشاي. ومر الخواجة يني عائداً من الطاحون مضمخاً باللون الأبيض وقال للجالسين في الشوارع : السلام عليكم، وشال محمد عبد التواب أحد صغاره فوق رقبته وخرج به من البيت متوجهاً للدكان ليشتري للطفل حلاوة. ازداد اختناق الشمس فاسود بطن الغمامتين. ظل الثعلب في المجرى مستأنساً الأمن متدحلباً كي يقفز على الضفدع المشرئبة رأسه فوق صفحة الماء، أغلق الذئب العين المفتوحة وفتح العين المغلقة، حلق غراب ولف في الجو ناعباً، رفع (الحاج) وجه طفله بكف يده ليريه الغراب؛ كركع الطفل ضاحكاً، مست قدم النمس أرضاً مروية فخشى الوحل وتراجع، قلد (الحاج) صوت الغراب ليزيد من إمتاع وحيده؛ ثم رفع الولد وأوقفه أمامه على ظهر الحمارة وعضه في خده فاستمر الولد يضحك، أحست الحمارة بما يجري فوقها فأبطأت كثيراً لكن (الحاج) هشها بساقيه، والبقرة هادئة تسحب عجلها في الخلف، أدخلت عمتي نفيسة أولى صحاف السمك في الفرن وانتهرت الكلب ليبتعد فنهض وتراجع خطوتين وعاد فأقعى مرة أخرى، وألقت يامنة بحزمة برسيم للأرانب، وكّبر الشيخ حسني مفتتحاً صلاة المغرب . وحمل عبد اللاه زوجته بين أحضانه وأرقدها فوق السرير فاهتزت الفرشة، وقفز الذئب داخل القصب، وترك الثعلب رأس الضفدع وانسل وسط الساسابان، ثم غمر الدنيا السكون. بقايا ضوء في آخر غرب الدنيا، السكون، تلاشت كل أصوات القرية، قالت عمتي نفيسة : اللهم اجعله خيراً، وارتجف الشيخ حسني وارتبك في الفاتحة فاندهش المصلون، وعوى الكلب وظل واقفاً، وانفلتت الأرانب إلى جحورها تاركة حزمة البرسيم، وانخبطت الغمامتان كلٌ في الأخرى فتساقط السواد فوق النخيل والقصب والذرة وصحاف السمك وصحون الملوخية والقلقاس وصفوف المصلين والعيش المقمر، وكاكت الفراخ منزعجة، وعوى الكلب مرة أخرى، وتراجع عبد اللاه للخلف وأنزل ملابسه فظلت زوجته متمعنة في وجهه. وترك عبد الحميد المِزين رأس صادق ونظر إلى الأفق، واهتز بدن الحاجة شفاء وأحست بوخز في عنقها، وأسقط محمد عبد التواب طفله من فوق رقبته، وتوقف محمود عبد الجابر عن دهان مؤخرة جمله، ووضع ضيوف محمود عبد الرجال اللقمة في أفواههم وأنصتوا، وسقطت زجاجة الجاز من يد طفلة وانكسرت البيضة في يد الطفلة الثانية. سكن جسد القرية كله وانتصبت آذانها متنسمة أي صوت في آفاق السكون. وهمست أم محمد : اللهم اجعله خيراً .. استر يا رب ... ودوى عيار ناري، وخبطت عمتي نفيسة على صدرها وصرخت منزعجة منتفضة : هذا العيار قاتل ...!! بعدها بثوان انداح صراخ القرية ملتاعاً : - الحاج وطفله انضربا بالرصاص. |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
البئر قصة / محمد المخزنجي استيقظ مبكرًا كعادته, لكنه لم يخرج من خيمة العريف الخاصة به منشرحًا ويفتح ذراعيه وعينيه وفمه على رحابة المنظر الرائع من حوله: الجبال وهي تتوالى أمام بصره المفتون بتدرجات لونية تبدأ بالأخضر فالزيتوني فالبنفسجي حتي تتبدّى في الأفق البعيد بلون دخان رمادي مزرق. والوديان المتناوبة في العمق تحت هامات الجبال ومسارب الطرقات الدقيقة التي تدور حول الجبال وتنساب في الأودية. لم يؤد فرحان تمارين الصباح المحتفية بهواء هذه الدنيا الطازج النظيف, وحده, بحمية وابتهاج وضوضاء ذاتية كما اعتاد أن يفعل. ولم يستدر بعدها رائق المزاج نحو خيمة العساكر الكبيرة ليوقظ أفراد نقطته الحدودية بمرح كما من قبل: (يلّه يا جحش انت وهو، اصحوا، البغال صاحية) ولم يعابثه أحد أفراد نقطته خارجًا من خيمته يتمطى ويتثاءب ويقول غامزا: (صحيح يا حضرة العريف، أنا شايف البغال صاحية، صاحية من الفجر)، ولم يجر صاحب الغمزة ولم يجر العريف وراءه ولم يحدث الهرج المرح الذي عرفته هذه البقعة الجبلية الحدودية كثيرا من قبل صحا العريف فرحان غير فرحان بالمرّة. وبغم وتثاقل جمع أفراد النقطة في طابور الصباح وبكمد أبلغهم الأوامر التي عليهم تنفيذها: ( من المتوقع وصول قافلة تهريب الساعة 12، والمطلوب إعدام المهربات والمهربين وعدم الاحتفاظ بأي ذرة من أي شيء أو الاطلاع على أي شيء، لا أسئلة ولا استفسارات) لقد تلقى الإشارة باللاسلكي في المساء فلم ينم إلا خطفًا. وحتى اللحظات التي اختطفها للنوم مزقتها الكوابيس؛ رأى نفسه يجري مرعوبًا وقد أمسكت بمؤخرته النيران؛ ورأى نفسه يسند الجبل ببطنه الكبير بينما ثيابه العسكرية المموهة مصنوعة من الفولاذ وثمة من يخترق الجبل من الناحية الأخرى بمثقاب جبار يتوقع وصوله إلى بطنه بين لحظة وأخرى. ثقوب ونيران لعلها كانت مستوحاة من الأمر الذي صدر إليه وهو أمر غريب لم يحدث من قبل. فحتى المرات القليلة التي تلقى فيها أوامر بإطلاق النار لم تكن الطلقات المستخدمة إلا من نوع (الرش) لإيقاف المهربين دون إحداث إصابات جسيمة بهم. فالمهربون في نهاية الأمر كائنات تثير شفقة حتى أقسى القلوب قلوب أصحاب الأصوات الثقيلة التي تصدر إليه وإلى غيره الأوامر من مكاتبها البعيدة كأن المهربون كائنات لا تعي ما تحمل ولا تعي ما يراد بها. مجرد بغال بكماء ذات عناد وجلد. لا يضاهيها أي كائن آخر في شق طرقها الصعبة منفردة دون قيادة بشرية, وبثبات واحتمال فائقين عبر الدروب الجبلية الوعرة والمتوارية عن الأعين. دربها على اجتياز هذه المخاطر سُيّاس بغال محنكون يقطنون القرى الجبلية المتناثرة بتناء بين قمم وسفوح هذه السلسلة من الجبال التي ترسم الحدود بين بلدين. بلد مفتوح على كل شيء في جانب وبلد مغلق على كل شيء في الجانب الآخر. تم تدريب البغال لصالح شبكة واسعة من المهربين بين البلدين برغم اختلاف الأنظمة. في أحد الجانبين يتم تحميل البغال بالبضائع المستوردة والمحظور دخولها في الجانب الآخر. تستمر رحلة البغال نصف يوم كامل حتى تصل إلى أهدافها. في البداية كانت رحلات بغال التهريب تتم تحت جنح الظلام في الليل. لكن عندما تغلغلت الشبكة في نسيج المتنفذين في الحكم لم يعد الليل شرطا لتلك الرحلات البكماء الثمينة. صارت قوافل بغال التهريب تشق دروبها الجبلية في النهار كما في الليل, بل في حراسة النقاط الحدودية نفسها التي كانت تنال نصيبها إما في هيئة مكافآت مالية منتظمة تصل إليها من المهربين سرًا, أو من الإغارة على بعض القوافل التي لا تصدر أوامر واضحة بتركها تمر في سلام, لأنه لم يُدفع عنها, أو لم يُدفع كفاية لمن يصدرون الأوامر. كانت المهرَّبات أشكالا وألوانا وكلها تتزامن مع ما يشح أو يندر وجوده في البلد المنغلق على نفسه. معظمها مما يمنع استيراده من مواد وأجهزة تجدها بوفرة في بيوت أهل السلطة وأصحاب النفوذ. وكثير منها مثيل لما ينتجه هذا البلد نفسه وتُفتعل الأزمات في توافره. أشياء عرفها فرحان بالمعاينة عندما كان يتلصص هو وعساكره على ما تحمله القافلة - التي يُغضّ النظر عن مرورها - عن قرب, أو من خلال نهب القافلة التي يغمزون بمصادرتها, أو يوشون بنهب شيء منها. فأي شيء يمكن أن تحتويه شحنة هذه القافلة التي لا يوحون بتمريرها ولا حتي بمصادرتها. (مخدرات? أسلحة? ثعابين? بلا أزرق?).. ظل فرحان يدور حول نفسه وهو ينبس بالأسئلة, يزفر وينفخ, حتى أعلن عسكري الاستطلاع عن أول ظهور للقافلة. كانت الساعة قريبة من منتصف النهار, كما توقعت الإشارة, لكن قافلة البغال وما تحمله على ظهورها كانت لا تزال في الجانب الآخر من الحدود مما لا يسمح بالتعامل معها على الفور. وكان هذا مناسبًا تمامًا ليكمل فرحان تنفيذ بقية الأمر كما صدر إليه: ألا يجعل العساكر يبدلون ذخائر أسلحتهم إلا في اللحظة الأخيرة. جمع العساكر وجعلهم يفرغون الطلقات العادية من بنادقهم ويستبدلونها بذخائر أخرى. وما إن أمسك أحد العساكر بالطلقات قبل أن يعمّر بها سلاحه حتى هتف مروعًا (حارق خارق؟) وصرخ فيه العريف: (ولا كلمة ياعسكري.. نفذ.. الأمر يقول لا أسئلة.. ولا كلمة) نعم قالوا: لا أسئلة, وقالوا أيضًا: يتم إطلاق النيران عندما تكون القافلة في )البير) أخذت القافلة تقترب على الممر الجبلي العالي الذي يبعد عن مكان تخييم النقطة الحدودية بنحو ربع ساعة. وكان هذا يعني أن تصل القافلة إلى (البير) بعد خمس وعشرين دقيقة. فالممر العالي يدور حول أقرب قمة مواجهة لقمة النقطة, ثم يهبط رويدا رويدا إلى أعمق الوديان قبل أن يعاود الصعود متجهًا نحو ممر آخر يرتفع ويدور حول قمة تالية. النقطة الأكثر انخفاضًا في الوادي العميق هي (البير), وهي تشبه بئرا بالفعل إذ تنحدر فجأة إلى أسفل وتستوي لمسافة قصيرة قبل أن تصعد ثانية في مستوى الوادي. بئر ضخمة يستحيل على غير البغال الخروج منها. لكنها تخرج برغم ثقل الأحمال فوق ظهورها، تتعثر وتكبو أحيانا وتنهض في أنين لكنها لا تتوقف لحظة عن الحركة إلى الأمام حتى تخرج. والأوامر هذه المرة تشدد على ألا تخرج. والبئر تقع مباشرة في مسقط رأسي تحت نقطة العريف فرحان. هكذا ستكون البغال وأحمالها عندما تصل إلى البئر في المرمى المباشر والأسهل لأسلحة العساكر. لن يكونوا في حاجة إلى تصويب دقيق. فقط يدلون بفوهات أسلحتهم ويواصلون الضغط على الأزند حتى تنهمر الطلقات على أهدافها دون أن تخطئها مرّت على فرحان أطول ثلث ساعة في حياته البسيطة الخشنة. إنه آمر نقطة حدودية منذ عشر سنوات. وهو في هذه النقطة فوق (البير) منذ أربع سنوات. لطالما اعتبر نفسه محظوظا بوصوله إلى هذه النقطة. صحيح أنه (دفع) ليُنقل إليها. لكنه سرعان ما أدرك أنه الرابح بلا شك. فالنقطة (عائدها) كبير. سواء مما يصل إليه من نقود في مغلفات بلا عناوين يلتقطها خلسة من عريّف التموين الذي تمر سيارته اللوري لتزويد النقطة باحتياجاتها كل شهر, أو من البضائع المهربة التي يباح له أن يختلس القليل منها عندما تصدر الأوامر بالمصادرة. هو يعرف أن كثيرين يصفون أمثاله بأنهم مختلسون ومرتشون. حتى عساكره الذين لا يحرمهم من بعض ما يناله يتهامسون فيما بينهم بذلك. لكنه أب لعشرة أطفال ولديه زوجة وأم عجوز مريضة وأخت مقعدة. ثلاثة عشر نفسًا عليه أن يعولهم في قريته البعيدة. لقد استفتى نفسه وأصدر الفتوى: (الخطف من الحرامي ليس حرامًا).. فماذا ينال هو مقارنة بما يناله المهربون الكبار في مكاتبهم الفخمة البعيدة, الكبار الذين ينسقون (اللعبة) كلها. لم ير الأمر إلا (لعبة), لكن اللعبة ستتحول إلى جد مخيف عندما تصل إلى (البير) هذه المرة مر ثلث ساعة وقافلة البغال تقترب, وهي في أقصى اقتراب لها ستكون على مسافة خمسمائة متر, ومع ذلك ظل فرحان يحس أن هذه الكائنات المقتربة بأثقالها تنظر بعيونها مباشرة في عينيه. عيون كبيرة فيها طيبة عيون الحمير ولمعة عيون الخيول كحيلة وعندما ترمش يحس بلمسة رموشها الطويلة لقلبه العاري مباشرة. ذكرته بعيون عياله في القرية البعيدة على ضفة النهر عندما يلتمون حوله في الإجازة التي ينالها بتباعد: أسبوع كل أربعة أسابيع.. ينفق من الأسبوع يومين في الذهاب والعودة ولا يتبقى له مع عياله إلا خمسة أيام لا يبتعدون عنه خلالها أبدا. ولا يكفون عن النظر بعيونهم مباشرة في عينيه إلا عندما يغمضون للنوم. لم ير خلال الدقائق العشرين برغم سطوع الضوء وتغيّر المنظر غير عيون كائنات القافلة المتجهة نحو (البير). لم ير سلسلة القمم التي تضيئها شمس الظهيرة فتتألق ألوانها بتنوع خلاب يكشف عن أطياف ألوان صخورها العارية التي نحتتها الرياح وغسلتها الأمطار وشقتها يد الزلازل السرمدية: طبقات لونية تتتابع من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل, وردية وشهباء, وضاربة إلى الزرقة, وثمة مساحات خضراء خضرة مشرقة حيث تتكون مروج معلقة في جروف الجبال بالمواضيع التي تسيل منها عيون الماء. لم ير خطوط الدروب والمدقات والممرات الطويلة التي لونها الضوء ببياض ضارب إلى الحمرة وهي تلتف وتصعد وتهبط في تواصل طويل جميل خلال هذه الدنيا الجبلية. لم ير السحب البيضاء الخفيفة التي تمر قريبة يكاد يمد يده ويلمسها. لم ير أصفى زرقة لأنقى سماء فوق تلاوين الذرى السامقة. لم ير إلا تلك العيون الكبيرة الكحيلة طويلة الرموش تنظر إليه في عينيه. وبأسرع خمس دقائق مرت عليه في هذا المكان, وجد قافلة البغال تهبط كأنها تنزلق انزلاقًا في )البير) الذي احتواها جميعًا. وقدّر وهو غائم الذهن أنها أكثر من عشرة. وجد عساكره المصطفين على الحافة يمسكون بأسلحتهم في وضع الاستعداد وينظرون إليه في صمت متسائل. رأى عيونهم تقترب وكانت عيون الكائنات البكماء في البئر تنظر إليه أيضا وتقترب. شعر بدوار, وفزع أن يتهاوى ساقطًا في البئر الممتلئة بالعيون فانطلق صوته كأنه يصرخ من غياهب صدره العريض الأشعر طالبًا النجدة: (سلاااااح). ولم يتبق إلا أن يكمل أمر إطلاق النار. (اضرب) - قالها في أعقاب صرخة التهيؤ العالية التي هزت عساكره, لكن بأخفت صوت يمكن سماعه, وكأن الكلمة انحدرت من فمه دون إرادة منه (اضرب) خافتة وبائسة لكنها كانت كافية لأن تلتقطها آذان العساكر التي أرهفتها الصرخة السابقة وانهمرت الطلقات في البئر راح مطر الطلقات الحارقة الخارقة يشعل أتونا تغلي فيه البغال بينما تثقبها وتكويها تلك المقذوفات الجهنمية. جعلها هذا الغليان تدور دون أن تبتعد عن قاع البئر فتصطلي بمزيد من الطلقات. تهوي الأحمال عن ظهورها وتنفك أربطتها وتتمزق الصناديق فيؤجج ما بداخلها النار. كان ثمة ما يغذي النار في هذه الصناديق فيجعلها نارًا وحشية تشوي البغال المنتفضة حتى آخر أنفاسها. لم يستطع فرحان أن يحذر ما كان بداخل الصناديق. ولم يستطع العساكر، لكن دوامة حامية من لظى النار وسحب الدخان أخذت تدور في جوف وهدة البئر.. تدور وتدفع إلى الأعلى.. إلى الأعلى بدخان رمادي ورائحة لحم يحترق وبقايا أوراق. متطايرة، متفحمة أو لم يكتمل تفحمها, وصلت إلى حيث تسمر العريف وعساكره.. كانت بقايا صفحات من كتب أو من نُسخ عديدة لكتاب واحد. وكانت ما إن تستقر بين الأصابع الفضولية المتشنجة حتى تتفتت, ولا تمنح المحدقين والممعنين فيها إلاّ هشيمًا من أحرف لم تكمل جملة, ولا حتى كلمة واحدة تدل على شيء |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
ذئـــــــــاب قصة / محمد المخزنجي قد يكون حلما فظيعا له قوة حضور الواقع، أو واقعا غريبا كالحلم، هذا ما لم أحسمه، ولعلى لن أحسمه أبدا، لهذا أحاول تحسس حكايتي هذه من جديد لعلى أتبين فيها حدودا فاصلة. خاصة وأن ذلك الانطباع النهائى مازال يؤرقني، ولعله يؤرق كثيرين إذا ما نقلت إليهم ما بلغنى منذ عرفت بنبأ هجوم الذئاب على القرية. لقد هزتنى الدهشة أكثر من أى أحد لا يعرف حجم الأوهام الرائجة بين الناس عن هذه المخلوقات الحكيمة والزاهدة والمتوحدة إلى درجة الشاعرية، والتى يسمونها بريبة: الذئاب. ذلك لأننى أعرف كم هى نائية بتعفف، وأصيلة التماسك داخل قبائلها، أمومية لحد إنكار الذات أمام الصغار، وتأكل من غنائم معارك نظيفة حقيقية، تخطط لها بإحكام، وتفقد فيها الفرائس وعيها مع أول إطباقة للفكوك فلا تتألم. ثم هي ـ أي الذئاب- لاتقرب الجيف حتى لو اضطرها الجوع إلى أن تعشب، وإن كانت الشائخة منها يمكن أن تهاجم بلا سبب وهذا يجعلنى أكثر استغرابا. فلا يعقل، لا يعقل، أن يكون هناك قطيع كامل من الذئاب الشائخة ليهاجم على هذا النحو المسعور الذي حكت عنه الأخبار، والذي لم يثبت فيه أن الذئاب جرت ولو طفلا صغيرا لافتراسه، مما يوحي بأن الهجمة كلها كانت نوعا من الالتياث الذي دفع القطيع نحو القرية والدخول في معركة مع سكانها كبارا وصغارا، بالأنياب في مواجهة الأيادي والسكاكين والفؤوس، ولم يدفعها إلى الفرار في النهاية إلا ظهور البنادق وبدء إطلاق الرصاص. بخلاف ما أشيع - وهو صحيح- من أن استخدام المبيدات قد قضى على الأرانب البرية وغيرها من حيوانات تعتبر غذاء طبيعيا للذئاب . كان لدى افتراضي الذي يشبه هاجسا لحوحا، مما دفعني إلى استعارة جهاز من تلك الأجهزة الكاشفة لاستخدامه. وإن أرجأت التقصي إلى ما بعد استبيان حكايات وانطباعات الناس هناك، خاصة من واجهوا الذئاب بالفعل وأصيبوا أثناء ذلك بجروح مختلفة وتم نقلهم إلى مستشفى البلدة. لم أجد وضوحا في الصورة التي بقيت بذاكرة المصابين، إذ كانوا مروعين مازالوا ولا يمكنهم استعادة أية تفاصيل أكثر من صوت سعار الذئاب وتكشيرهم عن الأنياب التي كانت تعقر بتسارع. بينما تكررت الإشارة إلى التماع العيون، ولفت نظري بعض الشيء تعبير لطفلة صغيرة مصابة بجرح عميق فى ذراعها، إذ قالت إن الذى عقرها هو رجل قبيح له أسنان كبيرة كثيرة، ولم أكن أتصور إلا أن ذلك مجرد تعبير موات من قاموس الطفولة المحدود، لهذا عبرته بسرعة وقتها. لم يكن هناك شيء يجعلني أبدو مختلفا عن مجموعة الصحفيين الذين هبطوا على القرية لكتابة تقاريرهم الصحفية إذ كانت معي آلة التصوير والمسجل، أما ذلك الجهاز فقد أخفيته في حقيبة الكتف، وبدأت عملية المسح من شاطئ النهر قاطعا القرية التي تتزخنق بيوتها على الشاطئ، ثم أوغلت في حقول القرية وراء البيوت، وأخيرا بلغت الجبل الذي يحدق بالقرية وحقولها على مسافة لا تزيد عن كيلومترين. لقد واربت فتحة الحقيبة بحيث أتمكن من الإطلال بلمحة على مؤشر الجهاز، وكنت مصغيا بانتباه وأنا أمضي إلى ذلك الصوت الإشاري 'السيجنال' لعله ينبعث في أية لحظة، ولم يكن هناك أي انبعاث للصوت مع مروري بالقرية، ثم الحقول، وحتى سفح الجبل، لكنني عندما رحت أمر بهذه المغارات الصخرية في بطن الجبل والتي يرجح أنها كهوف تأوي إليها الذئاب وغيرها من حيوانات الصحراء المترامية خلف سلسلة الجبال- بدأ صوت الإشارة ينبعث ثم يتصاعد، يعلو ويتسارع كأنه سيجن. يا الله، أرعبني هذا الصوت الصغير الذي يشبه زقزقة أبراص لاطية في زوايا غرف حارة، صوت الإشعاع الذي يظهره الجهاز، هيء لي أنني شخص ملعون يأتيه الهاجس فما يلبث حتى يتجسد له، ولم يعد هناك أدنى شك فى أن هذه الكهوف التي تأوي إليها الذئاب بها مواد تجرد الجزيئات المستقرة من إلكتروناتها فتؤينها، تجنها، فهل هي نفايات مشعة تم دفنها سرا في هذه الكهوف، أم أنها مواد أصيلة في تكوين صخور الكهوف؟ سؤالان كبيران يمضيان في طريقين متعارضين تماما، ولم تكن لدي إمكانية للإجابة على أيّ منهما، فاكتفيت - وقد كنت وحدي عند أقدام الجبل وفي وقدة الظهيرة- بإخراج الجهاز ووضعه عند مدخل لأحد الكهوف وتصويره في لقطة مركزة تظهر حركة المؤشر، ثم مضيت للمبيت في إحدى الخيام التي أقامتها إدارة المنطقة للصحفيين وغيرهم، حتى يأتي الصباح، لأستيقظ مبكرا وأرحل في أول قطار يتجه إلى العاصمة. أي صدفة غريبة، أو قصد مريب، جعلهم يسكنوني في خيمة أكون بها وحدي، فلا يفصل في أمر حيرتي آخر أو آخرون؟ هل كنت أحلم حلما فظيعا أم كنت أصحو على صورة فظيعة؟ لقد رأيت ما يوشك أن يكون رجلا بشعا بأنياب كبيرة وعينين بارقتين، سمعت منه صوت تحرش مسعور، ثم صار الرجل اثنين، فثلاثة، فخمسة، ولم أعد أميز غير حلقة من ذئاب تتأهب للوثوب، وعندما وثبت هي وثبت أنا وإذ بي أصطدم بعمود الخيمة فكانت الخيمة تشتعل بشراهة وتوهج، وكأنها صنعت خصيصا من نسيج سريع الاشتعال، وكان هناك من يمسك بي حتى يمنعني من الاندفاع نحو النار إذ كنت أفكر في إنقاذ أشيائي، خاصة الكاميرا والأفلام التي صورتها وجهاز الجيجر، راحت جذوة مسعورة تضيء ما حولها من ظلمة، وعاودني هاجس الوجوه البشعة، فكنت أرتعش بين أيادي من يمنعونني من الاندفاع نحو النار.. كنت خائفا من الالتفاف والنظر إلى وجوههم. |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
) أنفاس الليل لفهد العتيق .
في هذا الليل البري ، البارد ، والهادئ ، والمخيف ، والممطر بهدوء، كنت أسمعه يأتي خفيفاً من بعيد ، كأنه صوت طائر محبوس ، أو صوت لكائن آخر لا أعرفه ، لكنه صوت أنيس ، يشبه الموسيقى أحياناً، وأحياناً يشبه الرنين البعيد . أسمعه الآن ، وأنا أرتجف برداً ، بعد أن ترجلت من سيارتي التي هوت في منحدر صغير وسط براري المدينة القريبة ، حين كنت أبحث عن مخيم غامض الملامح. أغلقت أبواب السيارة بعد أن أضأت نورها القصير ثم مضيت ، تجاه ضوء بعيد وشاحب ، يظهر أحياناً ويغيب فجأة ، ظللت أسير وسط الظلام ، على أرض مظلمة ، ورطبة لازالت تستقبل مطرها الخفيف ،وحولي ذلك الصوت الذي يأتي من كل الجهات موسيقياً وعذباً، يرن في أذني الآن بقوة ، صوت أليف ومميز وسط هذا الضياع الغريب ، حتى أنني لا أعرف اتجاه المدينة ، رغم الأضواء البعيدة والباهتة التي أراها تنبعث أحيانا من كل اتجاه ، و تختفي فجأة وكأنها شهب دخلت في لعبة مسرحية مع ( خوفي ) الذي لم يبلغ منتهاه ، لكنه لازال ممتعا ومُنتظراً أو متحفزاً أو مندهشاً. مشيت مسافة نصف ساعة تقريباً ، حتى أضعت أنوار سيارتي ، ولازال الصوت الخفي يتبعني ، مع صوت المطر على الأرض الرطبة ، والهواء البارد يضرب صدري ضربات متتالية ، حتى بدأت أشعر أن حلقي صار أكثر جفافاً وخشونة ، مع إحساسي بالدوار ، وخطواتي أصبحت أقل اتزانا ، و بدأت أتحدث مع نفسي وأنا اضرب الأرض الممطورة بقدمي الرخوتين ، حتى عاد صوت الطائر المحبوس ، قادماً، ربما من البعد ، يضئ ظلام الوقت والمكان والروح والأسئلة والخوف. كنت أفكر ، وسط هذه الحالة بأشياء صغيرة ، أحياناً أمشي ، يأسا ، وعيناي على الأرض ، استرجع شريط حياتي القريبة ، وأخذت موقفاً من بعض الأشياء والممارسات ، بدأت أحاكم الرجل الذي كنته قبل هذا الضياع ، وكنت أتساءل : كيف تسنى لي ، أنا المغرور بذاتي، أن أتجاهل أشياء مهمة , كيف أضعت الوقت والفرص و…… بدأت البحث في الكثير من الأفكار ، وإعادة تصوير الكثير من المواقف ، بدأت الأشياء والأفكار والصور واضحة وجلية أكثر من أي وقت مضى، ورأيت كيف تتداخل الصور المتناقضة والصحيحة مع بعضها البعض ، وكيف في ظل الانشغالات نقبل بكل شيء ، كنت أرى عالمنا مثل جزر معزولة ، وأرى المسرحية بكامل فصولها ، مع صوت ذلك الصفير البري أو الطائر المحبوس . كنت أعود إلى الطفل العظيم في داخلي ، وأشعر أن هذا المكان النائي بدأ يترك فيَّ أثراً من روحه ، مضمخاً برائحة جديدة ونفاذة لم ألفها بعد ، وكنت أحاول أن أتعايش مع هذا الألم بسرية ووقار ، في حين تنفجر الذاكرة بلا إرادة فيَّ ، مبتعدة هناك إلى الطفولة القصوى ، وإلى تعرية الواقع الذي كان واقعاً ضخماً , ومسيطراً بضبابه ، قبل هذا الموقف. لقد أحبب صوت الطائر الذي يسير معي الآن ، لكني بدأت أشعر بالمسئولية أكبر ، بعد أن فقدت إضاءة سيارتي ، ثم تنبهت أنني قطعت الآن أكثر من ساعة ، فآن للمحارب أن يستريح قليلاً على ظهر حصاة مبلولة ، على إيقاع أنفاس الليل ، وصفير ذلك الطائر ، الذي ربما لا يكون طيراً. على ظهر الحصاة الممطورة ، مكثت نحو عشر دقائق ، كأني أنتظر أحداً ، وسط هذا الضياع ، في البراري المظلمة والممطرة ، لا يمكن أن تحدد بماذا تفكر ، لقد شعرت أنني لا ابحث عن حل ، بقدر ما أنتظر دليلاً ما لاتجاه المدينة الصحيح ، أو عابر سبيل ، أو نور لا يبتعد حين أمشي إليه. الخواطر والأفكار تأتي عشوائية على نحو مثير ، وفي وسطها تبرز صور غير معقولة ، تحاول الاقتراب من هذه الحالة الغامضة التي أمر بها ، كنت أشعر أن قدمي المبلولتين أكثر ضعفاً ، وبدأ وجع جديد عند المفصلين ، أما ثيابي فقد أصبحت منذ فترة طويلة تقطر ماء السماء. كان صفير الطائر المحبوس ، لا يزال يرن في أذني بقوة ، يحدثني عن أشياء كثيرة ، يثير الكثير من الشجن ، ويعيد ذكريات قديمة. الآن بدأت أرى وجوها قديمة أعرفها ، في عتمة خفيفة أمامي ، بدأت أشعر بدوار ثقيل أيضاً، وأنا أتأمل وجوهاً اصطفت بجانب بعضها بتعابير مختلفة ، كل أصحاب هذه الوجوه ماتوا، وكلهم الآن يبدأون في الحركة ، يتقدمهم وجه والدي الذي فقدته منذ أكثر من ثلاثين عاماً ، كان أكثرهم وضوحاً بشعر وجهه الأبيض ، تقدم أكثر ويده اليمنى أمامه حتى لامست خدي , فصحوت من خدري اللذيذ ، وبقى بعض الدوار الذي سمح لي بتوديعه وداعاً يليق بحجم الفقد ، وفي كل وقت كانت تظهر وجوها متفرقة وتغيب ، نساء ورجال فقدتهم منذ أزمنة بعيدة، في حوادث أو أمراض مختلفة ، وجوه تظهر ووجوه تغيب وأنا في حال إرهاق شديد ، أرى نفسي في وجه أبي ، أرى أسئلتنا المعلقة وأحلامنا المنكسرة ومتاعب وجوهنا جميعاً, وكانت بين وقت واخر تطل علي بوجهها الفاتن , تطل من البعد وأنا مشغول بوجوه كثيرة حولي , وكأنها تريد القول أنك دائما مشغول عني , تطل من البعد فأشعر بتأنيب ضمير وندم وبكاء , ثم في لحظات أخرى أشعر أنني أعيش حياة بائسة في عالم كبير الفوضى وكبير الألام وكبير البؤس , وكثير الاحلام المؤجلة , عالم لم أشارك في صنعه وليس لي في واقعه رأي ….. تركت ظهر الحصاة التي استرحت عليها قليلاً ، واتجهت نحو ذلك اللون الفضي البعيد الذي يشبه قبة في نهاية الأفق ، قلت : تلك هي إضاءة مدينة الرياض ، أما سيارتي التي فَقدتُ إضاءة نورها القصير , فلم يعد بالإمكان العودة لها بأي طريقة ، ظللت أمشي حتى وجدت أن الساعة قاربت الواحدة بعد منتصف الليل ، ولم أصل بعد ، إلى طريق يهديني إلى الشارع الرئيسي المؤدي إلى المدينة ، السماء مازالت تمطر بهدوء ، والليل يتفس مطرها بهدوء أيضا. ظللت أسير باتجاه الضوء الفضي الواسع في قبة السماء ، وفي رأسي تدور حكايات كثيرة عن أولئك الذين خرجوا من بيوتهم ولم يعودوا .. صاروا في عداد المفقودين ، وبدأت أهذي بكلمات غير واضحة ، صوت يخرج من داخلي يشعرني بالهزيمة واليأس . لو أن يداً ضخمة تقلني الآن إلى حضن كفها الدافئ ، ثم ترمي بي على سطح بيتنا ، لو أن نهاراً يعجل بصباحه ، الآن ، لكي أعرف أين أنا ، أين الطريق. مازال المطر خفيفاً ، ومازالت الأصوات المختلفة القادمة من بعيد تتداخل، وبدون أسباب بدأت أشعر ، بعد عشر دقائق من المشي السريع المتواصل، أشعر أنني قريب من مكان ما ، كانت هناك مناظر سوداء بعيدة كأنها جبال ، وأحياناً تبدو كأنها جدران عالية مظلمة ، وحين اقترب منها تبتعد ، حتى بدأت أسمع أصوات سيارات شحن بعيدة ، بالتأكيد أنها تسير على الخط السريع لطريق الرياض القصيم ، وبعد لحظات قليلة من المشي والانتباه المركز ، اصطدمت بجدار حقيقي ، درت حول المبنى الصامت فوجدت به باباً مغلقاً ، ركضت إلى الطريق الترابي المؤدي إلى الطريق العام ، مكثت دقائق حتى توقفت شاحنة ، ركبت بجوار السائق الهندي وأنا ألهث ، ولم أفق إلا وأنا مدثر بغطاء ثقيل في بيتي ، وقبل أن أتطامن في نومي العميق ، تذكرت حواري مع الطائر المحبوس، حين كنت ضائعاً وسط البراري : - قال الطائر المحبوس : عد إلى سيارتك .. - قلت : كيف وأنا فقدتها منذ وقت طويل . - قال : من خلال الطريق الذي سلكته سوف تصل إليها. - قلت : هل أسير ساعة أخرى ؟ - قال : أفضل من المجهول الذي تذهب إليه ، الآن ، بقدميك. - قلت : وماذا أفعل بسيارة في حفرة ممطورة ؟ - قال : تنام بداخلها حتى الصباح. - قلت : بلا غطاء ولا ماء ؟ - قال : أفضل من المجهول الذي تذهب اليه. كانت أنفاس ليل البراري تضيئ بصخب في نومي المتطامن قليلا . |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
) هي قالت هذا …لفهد العتيق
عندما كنت أسير في الشوارع وحيداً , تلك الشوارع الترابية المثيرة للمخيلة ولكل المشاعر, كنت أرسم بقدمي لوحات كأنها موسيقى، أسير ببطء وعيناي على الأرض , أرسم خطاً واضحاً أقطعه بخط آخر , ثم دائرة ثم نقاط مبعثرة , تعزف على وتر الإحساس الحاد بوطأة الوقت , والوعي الحاد تجاه الكثير من الصور الاجتماعية المحيطة والمثيرة, لم أكن أفهم معني لكثير من القصص التي أسمعها , كنت أظن أنها قصص من نسيج خيال جامح , فهل يعُقل أن هذا الشارع الطويل الذي أمر به كل يوم راسماً الكثير من اللوحات بقدمي المتربتين , ينطوي على هذه الحكايات المثيرة للخوف والحزن والألم , والشفقة أيضاً ، يتحدثون عن أشياء كثيرة مثيرة وغريبة , يتحدثون عن علاقة بين ذلك الشاب الوسيم الذي يعمل مدرسا وابنة مؤذن المسجد , وعن شباب من الحارة يمارسون اللواط في ( خرابة ) قريبة , ويتحدثون عن ذلك الشاب ( منصور ) , الذي نسمعه كثيراً ولا نراه كأنه أسطورة من الزمن القديم، يقولون إنه في مساء الجمعة الماضية أشعل النار في جسده , وأن بيتهم تحول إلى كومة رماد, وأن ( الولد ) نقلوه إلى المستشفى بين الحياة والموت , ثم أخيراً فارق الحياة هناك. قبل العصر بقليل أذهب بمشيتي البطيئة, قاصداً بيت هذا الولد المتمرد, الذي قالت عنه أختي ( مسكين ), وقالت ع والدتي( مجرم )، رأسي إلى الأرض وقدمي ترسمان الخطوة على لوحة التراب ، هذا هو بيتهم ، ولكن أين ( كومة الرماد ) التي يتحدثون عنها , لم يتغير في بيتهم شيء، أظل أمام باب البيت وقتاً ربما يخرج أحد منهم , قد أرى كومة الرماد في الداخل, أنتظر أن يفتح الباب حتى وصل والدهم وفي يديه كيسان من الخبز والبرتقال، يفتح باب بيت يدخل ويترك الباب موارباً بانتظار ابنه ، أطل على مدخل البيت وأرى فوق الستارة من الخلف علامات سوداء في أعلى الجدار كأنها أثار حريق ( مثلاً ) أو كأنها …. لا أدري، الآن بدأت أمسك أول الخيوط, كومة الرماد تحولت إلى خيوط سوداء فقط، نعم كان هناك حريق ولكن ربما ليس مقصوداً, أعود وأنا غير قادر على الربط بين ما سمعت وما رأيت، أسمع حركة خلفي فالتفت، أرى ابنتهم الصغيرة تطل برأسها كانت بجديلتيها المعهودتين وعينيها اللامعتين مثل عيني عصفور وأنفها الأحمر الصغير والسن الكبير البارز، تلاقت عيوننا، ابتسمت لها, كانت على وشك الدخول إلى بيتهم قبل أن تُخرج لي لسانها الأحمر ثم تبتسم وتختفي، وأنا عدت إلى شارعنا أحدث نفسي بأن الصورة الأخيرة لوجهها أفضل للمخيلة من كومة الرماد. وصلت شارعنا الصغير الهادي وأنا أفكر بأشياء كثيرة، لماذا يحاولون أن يقتلوا أنفسهم ؟ وتذكرت أن منصور كان مريضاً نفسياً وأنه عانى كثيراً قبل أن يموت، ولكن هل مات حقاً ؟ هل كان هناك حريق بالفعل ؟ كيف يحدث هذا وأخت منصور لا زالت تمارس عادتها بإخراج لسانها الصغير للمارة وتضحك ؟ رأيت صديقي خالد يجلس على عتبة الباب الخلفي للجيران وقد شمر عن ساعديه ورفع ثوبه إلى ما فوق ركبتيه، وبين يديه وفمه قطعة كبيرة من البطيخ يسيل ماؤها على وجهه، جلست بجواره حائراً قلت له الحكاية كاملة، وأضفت عليها مخاوفي وأسئلتي… لكن (خالد ) سألني: ــ من أخبرك بموت منصور؟ ــ قلت له: هي قالت هذا. ــ سألني: من هــي ؟ ــ أجبت: أخـتـي. ــ قال لي: أسكت، منصور مات في حادث آخر (ثم تلفت حوله )، سوف أخبرك فيما بعد. كان خالد مرتبكاً، وأنا بدأت أشك في أشياء كثيرة حولي، وبدأت أيضاً انسج حكاية جديدة لموت الولد الشهير والمتمرد منصور , تذكرت ، لكنها بالتأكيد سوف تكون بعيدة عن بيتهم الذي لم يتحول بعد إلى كومة رماد، وقريبة من وجه طفل لأخته, يبدو أنني أحببته كثيراً وهذا يكفيني . |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
3) بواب وطرقات حائرة ..
لفهد العتيق خرج في صباح هذا اليوم البارد ، وضع في جيبه ضحكته المحايدة ، وقاد سيارته بهدوء… يتأمل ناس الصباح ، يتأمل شمساً قوية على عينه المخدّرتين ، ليظل اقل انتباها، وأقل حذرا ، واقل رغبة أن يصل إلى ما يريد ، لا يعرف ماذا يريد ، له ما يريد ولهم ما يريدون ، والمسافة بينه وبينهم صباح وضحكة محايدة ونور ساطع لشمس قديمة وعينين مخدرتين ، ووله عظيم . يتأمل عيونا مجاورة مليئة بالنعاس ، يحدق في الفراغات ، يتأمل إشارات المرور، وعمال النظافة ، وتلاميذ وتلميذات المدارس ، يقول سوف أمر على تلك الحديقة المهملة التي تحولت إلى ( كيس قمامة) ، وسوف أمر بجوار مدرسة البنات ، سوف أرى الشيخ الكبير الجالس أمام باب المدرسة بعصاه الطويلة ، وبنصف رقدة يراقب احتشام البنات الداخلات، ثم أمر بعد ذلك في طريقي ، على سيارات كثيرة تصطف أمام ذلك المطعم الصغير المشهور ، كل صباح . خرج في صباح هذا اليوم البارد يضع في جيبه ضحكته المحايدة ، خرج من بيته تعبا أو فرحا أو حزينا أو طائرا مثل عصفور ، خرج وهو يخبئ في جيوب ثوبه أشياء كثيرة ، وخلفه ترك أشياء كثيرة ، أبواب الغرف المفتوحة ورائحة الرتابة والملل، ومقاطع من أغان متقطعة ومبعثرة في الفضاءات الصغيرة المسقوفة ، ونوافذ نصف مغلقة ، تحدّق فيها عدة أبواب صامتة أو مفتوحة أو مواربة … الباب الكبير الذي أمامه يفضي إلى باب آخر ، والباب الثاني من بعده ، سوف يقوده إلى أبواب مفتوحة , وممرات كثيرة مغلقة ؟ ، وهو يقف هناك بعيدا ، يرقب أناسا يدخلون الباب الكبير أو يخرجون منه ، يقف بعيدا ينتظر الوقت الذي يمضي ، والناس يركضون هناك بلا هدف واضح , يدخلون ويخرجون من أبواب كثيرة أخرى ، وبأيدهم أوراق كثرة , وبابه الكبير ينتظره ، لكنه يقف بعيدا هناك ، يخاف الدخول ، يخاف الخروج . يقف مترددا وخائفا ومتلصصا ، يبحث عن رائحة أقدام تقوده ، يقف هناك والناس تدخل وتخرج من أبواب كثيرة لكي تفضي بها الى طرقات مغلقة ، يقف بعيدا ويتذكر أشياء كثيرة ويحلم بأشياء كثيرة. كل الأبواب تفضي إلى أبواب أخرى .. كل الابواب تفضي الى طرقات مغلقة .. ليس هناك باب يأتي من فراغ ويذهب بك إلى فراغ . ليس هناك باب يذهب بك الى هناك , حيث حياة أخرى مفتوحة الرحاب . لكنه يقف متوتراً يقرأ ماضيه ، يقرأ وقوفه الأول أما م العالم والناس والأصوات والحياة, والدروب المغلقة , التي أحبطت روحه منذ الصغر ، يقف أمام كل باب مسحورا ومبهورا ، خائفا مترددا ومتلصصا ، يتأمل قدميه الصغيرتين اللتين هدهما تعب قديم , فأصبحتا لا تقويان على الحركة ، يحاول تحريكهما فلا يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة ، يحاول أن يتكلم فلا يقوى على الكلام ، يراقب خطوات البشر في الطرقات المغلقة , بصوت معبأ بالمرارة والبكاء ، يراقب حياة تتحرك حوله ويستمع لأصوات متداخلة تأتي من هوة سحيقة في داخله ، يظل هناك حذرا وبعيدا ومرتاعا ، لا يقوى على الدخول ، في انتظار باب يأتي من الفراغ ويدخله ، ثم يفضي به إلى فراغات. يدخل المطعم الصغير المجاور لبيته المتطامن ، يجلس في مكانه المفضل جوار الباب الزجاجي المطل على رصيف الشارع ، لكي يتمكن من رؤية المطر الخفيف الذي ينزل الآن من السماء الملبدة بالغيوم بعد صلاة الفجر مباشرة . المطر يغطي زجاج باب المطعم فيبدو مثل لوحة مائية رائعة.. عامل المطعم يضع الشاي بالحليب الذي طلبه أمامه ، وهو يتأمل العالم الهادئ من حوله ، العالم الذي سوف ينطلق بعد قليل لا يدري إلى أين ، وفي رأسه أسئلة كثيرة عن الصباح وعن الأبواب المخاتلة الكثيرة في هذا العالم ، يسأل وقد ترك خلفه أشياء كثيرة ، أبواب الغرف المفتوحة في بيته الصغير ، ورائحة الرتابة والملل ، ومقاطع حزينة من أغان متقطعة ومبعثرة في الفضاءات الصغيرة المسقوفة ، ونوافذ نصف مغلقة وبعد قليل سوف يعود لشوارع الصباح من جديد وأبوابها الكثيرة التي تقود ، أيضا ، إلى محض فراغ مكشوف , ظل يضلل حياته الطويلة , وفي ذهنه باب قديم ظل يطاردة ولازال يشعر الان أنه يقف فوق رأسه , مثل رجل , يراقب أحلامه الصغيرة . |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
ثلاث قصص قصيرة فوزية العيوني إعادة نظر خلَعَتْ مساميرها وتسلّلتْ إلى مقعدٍ بمواجهتها.. قالت : لست مثلك احتمل الثبات على وضع واحد طيلة هذه السنين.. وحين أكملتْ كلماتها اكتشفتْ المرأة… أنها لوحة!! عزلة دلعَتْ لسانها الملتهب وقالت : حان وقت انصرافي، وأنت ما زلتِ تعيشين روتين أيامك دون أن تشعري أن دوري قد انتهى.. حين فتحتُ باب الغرفة وجدت الياسمين يغازل سور الشارع، والجوري يعانق الفلّ، وبلاط الحديقة يحادث عشباً نبت بين جوانبه… هزّني سؤال الوحدة عدتُ، ولم أجد المدفأة! حارّ… ولكن! طال صمتنا، واتسعت فجوة عزلتنا في واقع لا يحتمل صمت عاشقين. سأكسر سخف الصمت هذه الليلة وسأحادثه… سأذكّره بتفاصيل غارت في تلافيف السنين، وبكل وجدٍ سأنبش لحظات العشق الأسطورية التي تحتفظ ذاكرتنا بها… أخذته برفق إلى زاوية هادئة وأمام مرآة شاهدة… رأيت في وجهي وَلَه المحب وعطش الشوق ورغبة البوح… داعبته… حاولت استثارة كل مفاتيحه… ما أعرفها، وما تدربت عليها حديثاً. قلت له: كفّ عن الجمود… تصالح مع وجدي… انفتح لي ولا تكن عنيداً… لم يعرني أي انتباه أو رغبة في تجاوب! أتعبني هذا العنيد، ولكنني مشبوبة الحاجة هذه الليلة… أخذته إلى سريري واستلقيت نصف مسترخية، وكان على فخذي مستكيناً وموغلاً في الصمت. رجوته أن ينفتح لي، رجوته طويلاً، بهدوء حيناً وبغضب أحياناً كثيرة.. ففي داخلي ما يجب أن يدوّنه في ذاكرته برهاناً لحالتي وصدقي … غالبني النعاس، وهو مصرّ على أن يمارس صدّه وصمته وعناده… بدتْ حرارته تشوي فخذي، والطقس آب وأسد… لم أعد أحتمل ألقيت به جانباً ثم أغلقت درفته، هذا الغبي!! ولعنت الـ Dsl وكل شركات الاتصال في هذا البلد. 1 ـ من مجموعة قصصية صدرت حديثاً بعنوان: «موجز النشرة» 2 ـ قاصة سعودية ، وهي أيضا زوجة الشاعر الكبير علي الدميني |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
نسيان منيرة الإزيمع عندما استيقظت هذا الصباح، وجدت البيت مملوءاً بطيور كثيرة، تطير من غرفة إلى غرفة، ومن ركن إلى ركن، بلا توقف، وبدون أن تصطدم بأشيائه وبجدرانه القريبة، وكأنها لدهر كانت هنا.. لا أدري كيف نمت ليلة البارحة، ونسيت قميصي مفتوحاً انتظار لا تستطيع بقاء الليل كله بجانب النافذة، واقفة تنتظر عودته المتأخرة. فتذهب وتجيء خلال الغرفة، وعند قدومه، تدخل فراشها بخفة، وتتظاهر بالنوم.. وحده في نهاية الأسبوع.. أحمل معي خبزاً سبق تجفيفه وأذهب للبحر… لأنثر الخبز للنوارس.. وأرى كيف هو البحر، لكنني أصبحت وحيدة أجلس كشاهدة قبر وأنثر الخبز كرفاة في البحر، فلم تعد النوارس تأتي إلى هنا.. لقد أصبحت تذهب لمكب النفايات فالغذاء وفير هناك. خطأ في الإرسال في كل عام منذ عدة سنوات… تأتيني رسالة من رقم لا أعرفه كل عام وأنت حبيبتي… أمسحها وأنا أرثي لحال هذا الذي أضاع رقم حبيبته…. لكن بدأت أعتقد أنني أصبحت انتظرها… في المرآة هذا الصباح، عندما استيقظت ورأسي يؤلمني من أحاديثك وثرثرتك ليلة البارحة، وتثقله أغنيتك المفضلة الجديدة، التي تسمعني إياها غالباً في نهاية حديثك… عَبرتُ الممرّ الصغير من غرفتي إلى الحمام ببطء التفت للمرآة في الجدار ورأيت وجهي.. في عَينيَّ. هناك امرأة أخرى تنظر إليّ باستغراب!! كلام آباء - الكتب خربت مخك. يرددها بأسى أحياناً وكأنه يحدث نفسه وكانت تلك عبارته المفضلة والحاسمة لإنهاء أي نقاش غير ناجح بيننا. (يا للغرابة، كيف يفكر الآباء) الآن أعتقد أنني قد فهمت ما كان يقصد.. فلا أدري أي سطر في أي كتاب أنا أو أي بطل في أي رواية. أعتقد أن روحي قد سكنت أجساداً كثيرة قبلي.. وأنني عشت أزمنة مختلفة… أشعر بالطفو لا تجذبني أرضاً ولا تحتويني سماء… لوحة كنت أستمع لأرائك الخلابة والمتطرفة في الفن والتجريد بعد نهاية المعرض… في الحديقة الخلفية لمنزلي… والأرجوحة تذهب بي وتجيء، وأصابع قدمي تجوس في الرمل، وترسم خطوطاً طويلة، جيئةً وذهاباً مع الأرجوحة… والرمل يتموج بألوانه وتدرجاته الجميلة منتثراً، بقرب العشب. كانت تلك لوحة تركيبية ما، سقطت من أحد جدران معرضك الكبير. ضوء مدينة أضواء أعمدة النور تلمع كدموع صامتة طويلة على وجه مياه المدينة وضوء القمر لا يفعل شيئاً سوى أنه يشارك المدينة حزنها… مدينتي… مدينة حزينة.. حتى حينما أقاموا بها ألاعيبهم النارية لم تستطع النفاق وادعاء الفرح… اجتاحني شوق عظيم لأسطنبول.. بشكل آخر الأضواء تلمع هناك وتتراقص فوق مياه البسفور كانت الأضواء قوية غامضة وخلابة… وكأنها عيون عثمانية لكائن خرافي مستعصٍ على الموت.. سرت بين المدينة والبحر وتحت القمر.. لوحدي لا نوارس أناجيها.. لا أدري أين تذهب النوارس في الليل… في كل مرة أجيء بها إلى هنا… أفكر بك، بأن أراك فأقنع نفسي بأن الأمر لا يستحق.. وأن الأيام الصعبة التي أدخرك لها لم تأتِ بعد. تنوير التراث والتنوير… كانا اثنين فقط وضوضاءهما لم تكن لعشرة من (الهنود والسرلنكية)… كانا يقولان إن التنوير لا بد أن يهدم التراث لكي يكون تنويراً وكان الآخر لا أدري أيهما يقول إن التنويريين هنا لا يأتون سوى بما يجدونه في زبائل الغرب… لا يفكرون من أرواحهم من تراثهم.. وهذا لا يمكن أن يسمى تنويراً. قالا بعدما شعرا بالتعب وقد انتبها لوجودي… ما رأيك.. أنت؟ (رأيي؟) ومن يسأل عجلات القطار عن ذرات الغبار التي يثيرها دورانه.. في رحلته العظيمة. الماس يرسل الألماس لمعاناً خافتاً هادئاً.. عميقاً يشبه لمعان الدموع بالمقل… فقط أي عينٍ هي تلك التي تستطيع تمييزه من بين اللمعان الصاخب والكثيف للفالصو. الجمال… عندما يجتمع - كم هي جميلة! لا ربما هي جاذبية طاغية.. لا يدري بالضبط ما هو… لكنه متأكد من أنها تحمل من معاني الجمال ما يجعل الربع الخالي يزهر… ارستقراطية… ومثقفة… خجولة صامتة لا تتحدث غالباً. يتحدث عنها صمتها حتى انها (صديقة والدها) تماماً تطابق الصور المثل للمرأة في خياله. ومع ذلك لم يستطع حبها كان جمالها يقلقه يفكر فقط كيف يسيطر عليه…. وربما أعتقد أن امرأة مثلها لديها كل شيء ما حاجتها للحب… بداوة أحب رائحة القهوة… وهي تحمل في الدلال النحاسية.. وأحب المباخر واحتراق العود بجمرها. أحب كل هذا التوتر والركض خلف كمال الأشياء استعداداً لاستقبال الضيوف..أعتقد أنني مهما تفرنجت لن أتخلص أبدا من بداوتي. |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
شمس مبكرة : قصة قصيرة لعبدالرحمن الدرعان في تلك الظهيرة الطاعنة في السواد كان علينا ان نقف بالباب بضع دقائق (مرت كأنها بضع ساعات ثقيلة ) بانتظار أن يُفرجوا عن أشواقنا ويسمحوا لنا بالدخول.. وكان خيال قاماتنا الذي تعكسه مرايا الباب كافيا لمضاعفة الشعور بالأسى والقنوط ) . الأبواب الصقيلة في مداخل المستشفيات ترى فيها كشخص مصاب بعلة قريبه الذاهب في غيبوبة طويلة ضعفك وقلة حيلتك وملامحك الذليلة وأنت تتسول العابرين في الممرات الطويلة أن يتصدقوا عليك بأكاذيب تحتال فيها على هذا الطبل الذي يقرع في صدرك المختنق مشيدا سلما ينزلق عليه سؤال مكرر : ترى هل ما زال على قيد الحياة ؟ لاحت لي على الزجاج صورة امرأة جاءت من الخلف لاهثة تخترق الصفوف وثمة أصوات مدببة تتطاير مع أنفاسها كأن دزينة من عصافير محبوسة داخل قفص صدرها.. راحت تحاول دفع الباب بكف منخولة بالنمش ومن تحت عباءتها فاحت رائحة حساء يخبئه الزوار عادة بقصد تهريبه إلى احد المرضى. انغزست في داخلي شوكة حسد : ماذا تخبئ أنت القادم المثخن باليأس لشخص يلتقط أنفاسه بوهن كخياط يجر خيط النول ذاهبا في غفوة بعيدة . تكدسنا كالتلاميذ.. وشرعت الأصوات تستغيث بالرجل المكلف بالحراسة أن يفتح الباب وهو يتنزه فوق البلاط البارد, وبعد أن دبت الفوضى بالمكان التفت إلينا وحدق في ساعته مبتسما بسادية لا تليق بمهنته لكي نطمئن على أننا تحت وصايته. سألني الواقف إلى جواري عن الساعة ولم ينتظرني لأجيب لكنه بادر على الفور قائلا: لقد حان وقت المباراة؟! وبدأ على رغم الزحام والاختناق- يدخن مصوبا عينيه إلى سحابة الدخان العالية تعبيرا عن شعوره بالاضطهاد. وكانت الصور تتداعى على سقف مخيلتي تباعا : رأيته وهو يسوي طاقيتي المشغولة بالقصب عائدا من الحج, ورأيته يعالج أزارير قميصي بعدما أجلسني أمام عدسة المصور استعدادا لدخول المدرسة.. ورمقته بامتعاض يوم أن تركني ارتجف في حجرة المدير بعدما وضع ملفي الأخضر في الدولاب. وعانقني خارجا في المغيب يتقطر من ذراعيه ماء الوضوء.. وإذ يسدد نحوي نظرة اعرف معناها, أهبّ لأحضر له عباءة الوبر بعد أن أمكث قليلا في ضيافة شعرها الدافئ لا يقطعها إلا صوته الذي يفاجئني في ليالي الشتاء الباردة موحشاً ومخيفا: (انجز قبل ما اخلي اذاني وآذانك أربع ) . وهالتني شجاعته في تلك الظهيرة حين رأيته حاسر الرأس تحت عريشة الخوص جراء ضربة شمس لئيمة والطبيب الشعبي يحبس عنقه اليابس بأصابعه الزاحفة كعنكبوت سوداء بعد أن اطمأن على قضيب الحديد الذي يحمر في المجمرة. عند اللحظة الحاسمة أشار إلينا بعينيه أن نبتعد لكننا تراجعنا لخطوات ثم أوقفنا الفضول لتملي المشهد.. فوقفنا نتملقه بصمت أن يتركنا وشأننا.. حتى رأينا ذلك الأخدود العميق في رأسه لينهض كحصان بري لا يقبل بأقل من المجازفة. وفي صباح العيد نهرع خلفه حالما يفتح باب غرفته المبللة برائحة عود الند يحشو جيوبنا الصغيرة بالحلوى والنقود ثم ينسل الى الفناء بسرواله الطويل مخبئا يده القابضة على السكين وراء ظهره ينتظر أن يرفع الخروف رأسه من طاسة الماء فيتلُّه من قرنيه.. ويجهز عليه في لحظات خاطفة ويتركه بقعه من الصوف ترتعش على بقعة من الدم. ورأيت صورته العالقة كالوشم في ذاكرتي يمتطي فرع النخلة العالية في مواسم الجذاذ ويهيجن فاتحا رئتيه عن أقصاهما بذلك اللحن القروي الموغل في الوجد: (يا عين لك بالهوى لفتة ما انتي على دين الاخوان) وبعد أن يجرد نخلته جردا ينزل من أعلاها زاحفا على يديه كدواب الحقول.. ثم ينحني على أخي الذي بدأ يدّب بخطوات ثقيلة ويناوله أصابعه التي علق الدبس على مواضعها وبدوره ينكب الطفل -كالضأن الصغير- ويلعقها بلهوجة. لم أنتظر أن يجيء المصعد.. لم يكن في مقدوري أن انتظر حتى يجيء حين أبصرت العجوز تدلف الى الداخل بعدما انغلق الباب من تلقائه عليها تعزز لدي يقين ما بأنها ما جاءت إلا لتلفظ بقية أنفاسها هنا. وفكرت: هل سينجو أبي من العملية وهل انه سيعود الى مبخرته التي أصبحت من بعده أرملة ويتيمة؟! أم إن طائرة الإخلاء أقلته عبثا.. وأن أخي الذي رافقه هاتفني بالأمس لأشاركه طقوس الوداع?!. منذ أن فشلت أدوية العطارين ووصفات الطب الشعبي في إنقاذه من نوبات المرض وأصبح ينقاد الى المستشفيات بسهولة أدركت أن فجيعة ما سوف تحل بنا عما قليل.. ونشأت بيني وبين أخي من يومها أزمة ثقة صار كلانا يلح على الآخر ان يعيد الإجابة مرة أخرى قبل أن يتنفس أحدنا الصعداء. أقول: يا الهي كم كان كابوسا مرعبا وابدأ بسرد المنام الذي فزعني. - ولكنه هاتفك للتو لقد هاتفك فعلا سيُجرون العملية غدا!! هل أحضر لك ماء, تقول زوجتي. اشهق ببلاهة: هاتفني?!. فيجيء الصوت هادئا لتفادي الانكسار: ولكن غرفة العمليات ليست مقبرة?!. لقد مكث عدة سنوات يقاوم السكر والضغط ونوبات الربو المفاجئة وفجأة فضحته المضاعفات الخطيرة وغيّرت الكثير من عاداته اليومية. في ذلك المساء تأبط مخدته بعد أن افتعل شجارا مع الجميع اثناء تناول طعام العشاء ونام في المجلس وفي اليوم التالي بدأ يأنف من وجود الخادمة وعندما هدد أمي بالطلاق أصبح السر عاريا الا انه لم يكن قابلا للتداول. سألت الممرضة بلغة انجليزية مكسرة عن غرفته فأجابتني بعد أن نقبت في جهاز الكمبيوتر بلغة عربية هزيلة, لكنها محايدة, وفي الممر عادت الصور تومض من جديد. رأيته يتشبث بجذع (منيفة) نخلته الأثيرة بعدما أوقف طلعها للفقراء نفقة لامي التي ماتت فجأة كأنما كانت تفتديه بروحها وتهديه بقية أيامها رأيته يتشبث بكرانفها ويجدف على لجنة البلدية التي جاءت مع بدايات الطفرة لتخطط القرية وتقتلع جزءاًمن البستان وحين رأى العربات الصفراء تمضغ جدار الطين وتحيله في لحظة خاطفة الى حفنة غبار بكى كما لم يفعل من قبل واقسم أنها إحدى علامات الساعة. ورأيته مرة أخرى بعد أن أذعن نهائيا للمرض يبتلع الأقراص وقبل أن يخلد إلى النوم ينادي بصوته الواهن (سالومي) فتهرع الخادمة التي تفهم اشارته وتضع له سطل الماء في مكانه المعتاد بعد أن تمهد له الفراش. * * * أفاق للحظات من اثر المخدر ونادى (سالومي.. سالومي) ثم عاد لينهدم كمئذنة شائخة ولما فتح عينيه الكابيتين بعد قليل سألني عن راكان هل عاد من جلوته? نظرت إلى أخي لعله يسعفني بالجواب فإذا إن راكان هو بطل المسلسلة البدوية ؟ تغرز الممرضة ابرتها في ذراعه العاري فيكز أسنانه على الألم وأبادر لأسند ذراعه إلى كفي على سبيل المواساة فتنث من كل مساماتها رذاذاً ناعماً وتلوح لي خلف السديم نخلة شاهقة تكمن في فرعها غيمة من عصافير الحقول وبضع سعفات تتهادى على إيقاع من مقام الوجد (بلاك من واحد شفته عوده من الزين رويان ) نتأهب لنحمله أنا وأخي و نجلسه على الكرسي ذي العجلات (يبدو خفيفاً كسلة تمر فارغة) فتومض في اللحظة نفسها عدسة المصور على ذلك الولد المحفوف بغربته وخوفه وأسئلته ممتثلاً لأصابع تدب لتسوي ياقته تعدل طاقيته وعلى طول الممر ادفع الكرسي (يبدو خفيفاً وخالياً لدرجة أنني أتأكد أنه لم يتماهي مع نسمة الهواء) أتأمل رأسه المأهول بزهور الفل وأوغل في أسئلتي: أهذا هو أنت أيها البدوي القوي؟ أنت الذي كانت تكفيه قدم واحدة ليتسلق بها أعلى جبل وأطول نخلة؟ من ثقب السؤال تتسلل ثلاث شموس صغيرة تتربص بي كلما عن لي الخروج من البيت : (بابا.. بابا) انحني على آنية الورد واقبلها بحب فيتحرك رأس أبي ويستأنف أحلامه في اليقظة. يسأل مرة أخرى هل عاد راكان من جلوته ؟ ويذهب في السبات يا الله!! كم أبدو قاصراً وصغيراً فلماذا نتبادل الآن أدوارنا أن أكون بهذه السرعة أباك, وتكون شمساً رابعة تشرق قبل أوانها. لكن, لا. انه ليس أبي تماماً بل هو على الأرجح أنا في عام 2020. |
رد: أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت
الحصار ..
قصة / أحمد إبراهيم يوسف ( قاص سعودي من جزيرة فرسان / أصدر مجموعة قصصية عن نادي جازان الأدبي بعنوان ( ألسنة البحر ) "1" الرائحة تنبىء بمقدمه. إذا تجشأ البحر في أواخر الليل فتأكد أنه سيخرج. "2" صباحاً والشمس تطل برأسها على القرى , يخرجون حاملين أكياسهم المطوقة التي أعدوها خصيصاً لاصطياده. "3" الرجال , الأطفال , يجلسون متأهبين تحت تجاويف الجبال منتظرين مقدمه. هل ترى شيئاً ؟ . لا .. حتى الآن. قال شيخ القرية: يا شباب رؤيتكم أقوى.. امسحوا كل الجهات بحثاً عنه. "4" الانتظار / بحر.. الناس يبحثون عن البشارة في كل الجهات. قال أحدهم : إن أتى .. نغني له الأغنيات . قال آخر : وتحتفل بمقدمه العرائس. رد ثالث : وتملأ العرضات ساحات القرى. قال رابع : وبالرايات نستقبله. "5" لا أظنه سيخرج اليوم همس أحد الجالسين لآخر: انتظرناه طويلاً وهذا موسمه فلننتظر قليلاً لا بد من خروجه. أخشى أن يحاصروه في الجهة المقابلة. "6" ازداد لغط الناس مع طول الانتظار , تناثرت الأصوات تحت الجبل: كفاكم انتظارا لن يخرج اليوم. ما أقصر صبرك. كنا نمشي إليه على أرجلنا كل هذه الطرق الواخزة. وكان يأتي بشوشاً يشبع كل البسطاء الواقفين على الشاطئ احتفالاً بمقدمه. صاح أحدهم : انظروا. هناك حيث أتطلع. هل تراه قريباً ؟ سيجيء إلينا. صاح شيخ القرية : استعدوا له. "7" قريباً على الشاطئ كان يسبح بهدوء , بينما الصيادون نصبوا شباكهم حوله على شكل نصف دائرة ثم وقفوا يحرسونها. نادى شيخ القرية الجالسين على الشاطئ : لا تدخلوا حتى أعطيكم إشارة , كلنا سنأكل.. كل واحد منا حتى الذي سيخرج كيسه مملوءاً بالتراب المبتل سيأكل.. والآن هاتوا الكُسُب.. أسرعوا أحضروا الكُسُب. "8" انتشر الناس كباراً وشباباً وأطفالا فوق الساحة المحيطة بالشاطئ.. يقتلعون أشجاراً صغيرة الحجم قصيرة الأوراق يجمعونها حزماً ثم يحملونها فوق أكتافهم وظهورهم ثم يضعونها خلف الشباك حتى حاصروه بساتر من الشباك وأشجار الكُسُب صاح شيخ القرية حين تم الحصار: الضــــــــــويني. فركض الناس في المساحة الفاصلة بين البحر والشاطئ ركضوا فوق الأرض الزلقة المسننة.. ركضوا حفاة منتشين. |
الساعة الآن 09:07 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
*جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ... ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر رهين الشوق